كارثة استاد الإسكندرية في مباراة الإتحاد السكندري والكروم 1999
لطالما كان استاد الإسكندرية بمثابة البيت لفريق الإتحاد السكندري وجماهيره الغفيرة، وشهد هذا الملعب التاريخي الذي يقع في قلب المدينة مباريات لا تُنسى، وفعاليات كروية مبهِجة، كان بطلها في الغالب هو جمهور الإتحاد السكندري المتيم بحب فريقه، والذي اعتاد على مر السنين أن يملأ جنبات هذا الاستاد، ويصدح بهتافاته الشهيرة، ليساند فريقه المفضل بكل قوة، مهما كانت الظروف.
ولكننا اليوم في موقع يوميات الإسكندرية سوف نسلط الضوء على ليلة حزينة، ربما تُعد الأسوء في ذاكرة جماهير زعيم الثغر عن استاد الإسكندرية؛ ليس بسبب خسارة مباراة، أو تقديم الفريق لأداءٍ سيء، وإنما كانت الصدمة بسبب مقتل 8 من مشجعي النادي المخلصين على أبواب الملعب عام 1999 قبل مباراة الإتحاد السكندري والكروم.
ما قبل المباراة
في موسم 1998-1999 أسفرت قرعة بطولة كأس مصر عن وقوع الإتحاد السكندري في مواجهة الأهلي في دور الـ 32 ، على أن تقام المباراة على ملعب الأخير (استاد القاهرة) في أول أيام عام 1999، وعلى الرغم من أن الإتحاد لم يكن يمر بأفضل فتراته، إلا أنه أدى مباراة جيدة بقيادة مديره الفني طلعت يوسف، وظهر متماسكًا أمام هجمات الأهلي المتواصلة، إلى أن استطاع كرم مرسي أن يسجل هدف المباراة الوحيد في شباك عصام الحضري في الدقيقة 78، ليخرج الإتحاد السكندري فائزًا بهدفٍ نظيف، ويتأهل لدور الـ 16 منتظرًا ملاقاة الفائز في لقاء المعادن والكروم.
تسبب الفوز على الأهلي في عقر داره، وإخراجه من البطولة، في فرحة عارمة بين جماهير الإتحاد السكندري، التي استعادت ذكريات السبعينات، وتحقيق البطولة مرتين على حساب الأهلي في القاهرة، عامي 1973 و 1976، وارتفعت الطموحات، وأعتقدت الجماهير بأن الطريق أصبح ممهدًا نحو الكأس السابعة في تاريخ سيد البلد، خاصةً بعد إقصاء أصعب المنافسين على ملعبه، والاستعداد لمواجهة في المتناول أمام الكروم في الدور التالي من المسابقة.
تفاصيل الكارثة في مباراة الكروم والإتحاد السكندري
تم تحديد يوم 11 يناير 1999 موعدًا لمباراة الكروم والإتحاد السكندري في دور الـ 16 لكأس مصرعلى أن تقام المباراة على أرض استاد الإسكندرية، ويكون الكروم هو الفريق المضيف وصاحب الأرض في تلك المباراة.
لا يخفى على أي متابع لكرة القدم في مصر أن الإتحاد السكندري هو صاحب الشعبية الطاغية في مدينة الإسكندرية، ولا يقترب من جماهيريته أي نادٍ آخر في المدينة، بما في ذلك النادي الأوليمبي العريق، فما بالنا بالكروم المتوضع؛ ولذلك فإن أي فريق سكندري يواجه الإتحاد في الإسكندرية، يُعتبر وكأنه في مواجهة خارج الديار، حتى ولو كان هو صاحب المباراة على الورق.
ومن هذا المنطلق عمدت إدارة نادي الكروم إلى رفع أسعار تذاكر المباراة نسبيًا عن الأسعار السائدة في ذلك الوقت، كما أخرت عملية طرح التذاكر للبيع، أملًا في أن تساهم تلك الإجراءات في تقليل أعداد جماهير زعيم الثغر، ولكن كل تلك المحاولات ذهبت أدراج الرياح، فالجمهور كان متعطشًا لتلك المباراة، ومصممًا على حضورها.
كان يوم المباراة في النصف الثاني من شهر رمضان، وكان جمهور الإتحاد يمني النفس بسهرة كروية رمضانية، ينجح فيها فريقه في تحقيق الفوز ومواصلة المشوار لتحقيق بطولته المفضلة.
احتشدت أعداد من الجماهير في محيط الاستاد وقامت بتناول الإفطار هناك، بينما بدأ توافد الآلاف بعد الإفطار مباشرةً، ولكن الغريب في الأمر أن أبواب الاستاد كانت مغلقة بلا سبب واضح، كما أن أعمدة الإنارة داخل الملعب لم يتم تشغيلها.
مع اقتراب موعد المباراة لم يتم فتح أبواب الملعب لدخول الجماهير، وكما هي العادة في استاد الإسكندرية، فإن معظم الجمهور يتركز في مدرجات (السنتر) الذي يتم الدخول إليه من خلال البوابتين 8 و 9 المواجهتين للسكة الحديد، ومع غياب المنظمين، والمسؤولين عن فتح الأبواب، بدأ الآلاف من الجماهير المحتشدة في الخارج في محاولة فتح الأبواب عبر الاندفاع بقوة نحوها، وبالفعل فُتِحَ بابٌ صغيرٌ يستطيع شحص واحد فقط المرور من خلاله، ومع الأعداد الغفيرة، وشدة الاندفاع نحو هذا المدخل الضيق، سقط ثمانية قتلى من جماهير الإتحاد المخلصة دهسًا تحت الأقدام، بالإضافة إلى 14 مصاب من ضمنهم إثنين من قوات الأمن.
والثمانية الذين لقوا مصرعهم من جماهير الإتحاد هم:
- عادل عزيز
- سعيد رجب
- إسلام عبد الرازق
- نبيل جاد الله
- محمد الصياد
- كمال موسى
- أحمد عيد محمود
- إسلام عبد اللطيف
كان المشهد مأساويًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فالجمهور المتعطش لرؤية فريقه، لم يستطع صبرًا عندما تبقت دقائق معدودة على بداية المباراة، واندفع حاملاً التذاكر، نحو بوابات الدخول، ممنيًا النفس بحجز مقعد قبل بداية اللقاء، كل ذلك في ظل غياب مريب لمنظمي المباراة!
ومن هول الصدمة قامت جماهير الإتحاد التي دخلت الملعب بالهتاف ضد فريقها في واقعةٍ غير مسبوقة، كما هتفت ضد نادي الكروم وطالبت بطرده من الإسكندرية، ولم تبدِ الجماهير اهتمامًا بمجريات اللقاء، الذي انتهى بهزيمة الإتحاد بهدفٍ نظيف سجله سالم محمد لاعب الكروم في الوقت الإضافي.
قد يعجبك: عبد العزيز قنصوه يتسبب في غضب جماهير الإتحاد السكندري
قد يعجبك: عبد العزيز قنصوه يتسبب في غضب جماهير الإتحاد السكندري
من المتسبب في مقتل الجماهير؟
مع مرور أكثر من 22 عام على تلك المأساة، فللأسف الشديد لم يتم تحديد الجاني والمتسبب في مقتل ثمانية من جمهور الإتحاد السكندري، فالمسئولية تاهت بين عدة أطراف وهم: إدارة نادي الكروم، وإدارة استاد الإسكندرية، وقوات الأمن.
إدارة الكروم
على الرغم من توجيه أصابع الاتهام لإدارة نادي الكروم في المقام الأول بصفتها المسؤولة عن تنظيم اللقاء، ولكون فريقها هو صاحب الأرض؛ إلا أنها أعلنت بعد حدوث تلك الكارثة أنها اتفقت مع نظيرتها إدارة الإتحاد السكندري على التنظيم المشترك للمباراة، وإدارتها من قِبل منظمين من كلا الطرفين.
وعلى الفور قامت إدارة الإتحاد السكندري بتحرير محضر لنفي تلك المزاعم، ولتبرئة نفسها من مسؤولية الاشتراك في تنظيم المباراة!
إدارة استاد الإسكندرية
تلقت إدارة استاد الإسكندرية اتهامات واضحة بالتسبب في الكارثة، بسبب التأخر الغريب في إنارة الملعب حتى لما قبل المباراة بدقائق معدودة، ومن الواضح أن ذلك الأمر كان أحد أسباب الكارثة.
إلا أن إدارة الاستاد تنصلت من هذا الاتهام، واكدت أن إنارة الملعب قبل المباريات بدقائق إنما هي تعليمات محافظ الإسكندرية من أجل توفير الكهرباء، وأن هذا الأمر يحدث في كافة المباريات التي تُلعب في الاستاد!
كما كدت إدارة الاستاد أن دورها ينحصر في إعداد الملعب، وأنها تقوم بتسليم مفاتيح البوابات للنادي المنظم قبل موعد المباراة بيومٍ أو أكثر!
قوات الأمن
أكد اللواء يسري أمين مدير أمن الإسكندرية في ذلك الوقت، بأن مقتل جماهير الإتحاد السكندري، وحدوث تلك الكارثة كان بسبب عدم فتح بوابات الاستاد حتى لما قبل بداية المباراة بدقائق، وأيضًا عدم إضاءة أعمدة الإنارة، مشددًا على أن القوة الأمنية التي كانت مكلفة بتأمين المباراة طالبت بفتح الأبواب، وإنارة الملعب قبل المباراة بوقتٍ كافٍ، دون استجابة من المنظمين أو إدارة الاستاد.
وأوضح مدير الأمن أن دور القوات المكلفة بتأمين أي مباراة يقتصر على فرض الانضباط، ومنع أعمال الشغب، وتأمين عناصر اللعبة والحكام والجماهير، مؤكدًا أن فتح البوابات ليس من اختصاصها!
أسئلة تحتاج لإجابات
على الرغم من حدوث تلك الكارثة، وسقوط القتلى قبل موعد بداية المباراة بدقائق معدودة، وعلم عناصر الفريقين من لاعبين، وأجهزة فنية، ومجالس إدارات، بها -على الأقل من خلال هتافات الجماهير- بالإضافة إلى حكم اللقاء والمسؤول الأول عنه؛ إلا أن أحدًا منهم لم يطلب إلغاء المباراة!
فالسؤال الذي يحتاج إجابة واضحة: لماذا قام جمال الغندور حكم المباراة بلعبها بشكلٍ طبيعي، على الرغم من أنه يمتلك سلطة إلغائها، في ظل تلك الأحداث الاستثنائية التي سبقتها، وسقوط قتلى من الجماهير؟
والسؤال أيضًا كان ليوجه إلى الدكتور كمال شلبي رئيس نادي الإتحاد في ذلك الوقت لولا أنه الآن بين يدي الله، إلا أن كل من كان عضوًا في إدارة النادي وقتها عليه أن يوضح لماذا لعب الفريق المباراة في تلك الظروف؟
هل كان المدير الفني للفريق طلعت يوسف، وقائد الفريق طارق العشري، وبقية اللاعبين على علم بما حدث قبل المباراة؟ هل لعبوا المباراة وهم على دراية بمقتل ثمانية من جماهيرهم قبل بدايتها مباشرةً؟
بعد المباراة قام نادي الكروم بتخصيص إيراد اللقاء والذي بلغ 29 ألف جنيه لأسر الضحايا، كما قام الإتحاد العربي لكرة القدم بصرف تعويضاتٍ لهم.
قد يعجبك: الإتحاد السكندري بطل كأس مصر 1963