مذبحة القلعة
يوافق اليوم الأول من مارس ذكرى مرور 209 عام على واحدة من أشهر الوقائع في تاريخ مصر ألا وهي "مذبحة القلعة" أو ما يُعرف أيضاً بـ "مذبحة المماليك".
ففي مثل هذا اليوم 1 مارس 1811م قام حاكم مصر في ذلك الوقت "محمد علي باشا" بأكبر عملية اغتيال سياسي عرفها التاريخ من خلال تصفية المئات من زعماء وأمراء "المماليك" داخل مقر الحكم في قلعة صلاح الدين بالقاهرة.
تظاهر محمد علي بدعوة المماليك لحضور حفل بالقلعة لتوديع الجيش الذي سيخرج بقيادة ابنه "طوسون" لمحاربة الوهابيين في شبه الجزيرة العربية، بأمرٍ من السلطان العثماني. استقبل محمد علي أمراء المماليك بودٍ كبيرٍ، وبعد انتهاء الحفل الفاخر باغتهم جنوده بوابل من الرصاص حصد أرواحهم جميعاً.
خلفية تاريخية
كان المماليك في الأصل عبيداً استقدمهم الأيوبيون من بلاد مختلفة في القرن الثاني عشر الميلادي، وكان أغلبهم من الترك والشركس، يتم جلبهم أطفالاً، ويتلقون تربية صارمة ذات طابع عسكري، ويُعزلون عن عامة الناس لضمان الولاء التام للسلطان.
وأثبت المماليك جدارة كبيرة في الفروسية والقتال، مما جعل سلاطين الدولة الأيوبية يتوسعون في استقدامهم ليكونوا عوناً لهم في حروبهم مع الصليبيين، وبدأ السلطان الأيوبي "نجم الدين أيوب" في إعتاقهم، وتقليدهم مناصب عسكرية رفيعة، وقد ساهم الدور الكبير للماليك في تحقيق انتصار حاسم في المنصورة 1250م على الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع في تقوية شوكتهم، ومع موت السلطان وضعف خليفته "توران شاه"، كان لزواج أرملة السلطان "شجرة الدر" من زعيم المماليك الصالحية "عز الدين أيبك" دوراً كبيراً في انتقال السلطة للماليك، وأصبح أيبك أول سلاطين دولة المماليك التي حكمت مصر قرابة الثلاثة قرون.
سقطت دولة المماليك بعد الهزيمة في مواجهات فاصلة أمام الدولة العثمانية في مرج دابق 1516م وخان يونس ثم الريدانية في 1517م.
مع دخول العثمانيين مصر ظل أمراء المماليك من أكبر مراكز القوة داخل البلاد، واحتفظوا بإقطاعاتهم، ومراكزهم العسكرية والإدارية.
وفي القرن 18 زاد نفوذ المماليك بقوة أمام الوالي العثماني أو "الباشا" وحاول بعضهم الاستقلال بمصر والخروج من السيادة العثمانية، ومع نهاية ذلك القرن تعرضت مصر للغزو الفرنسي بقيادة "بونابرت" في 1798م ، وكان المماليك هم القوة العسكرية الوحيدة التي حاولت التصدي للفرنسيين، قبل تدخل كل من الدولة العثمانية وبريطانيا لإجلاء الفرنسيين عن مصر.
كان محمد علي ضابطاً صغيراً في القوات العثمانية التي تم إرسالها إلى مصر لطرد الفرنسيين، ثم بقي بها كقائد لحامية ألبانية تابعة للباب العالي، ولاحظ الضابط الطموح ما تمر به البلاد من اضطراب، كما لاحظ محمد علي ميل الدولة العثمانية نحو القضاء على المماليك.
في السنوات التي تلت إجلاء الفرنسيين عن مصر كان محمد علي منخرطاً في الصراع الداخلي بين زعيمي المماليك محمد بك الألفي، وعثمان بك البرديسي، كما كان بشكلٍ أو بأخر محرضاً لثورات الشعب ضد المماليك في ذلك الوقت.
مع تزايد السخط الشعبي على الوالي العثماني "خورشيد باشا" وعلى المماليك، انتهز محمد علي الفرصة واستمال لجانبه جميع القيادات الشعبية والعلماء والأعيان، ليصدر فرمان من الباب العالي في 1805 بتعيين محمد علي والياً على مصر.
العلاقة بين محمد علي باشا والمماليك
صادف توقيت تولي محمد علي باشا حكم مصر حالة من تشابك المصالح بين القوى الاستعمارية الكبيرة بريطانيا وفرنسا، فالمصالح التجارية للإنجليز في الهند كانت آخذة في النمو، ومصر تمثل الطريق الأمثل لرحلات النقل بين بريطانيا والهند، والتي تمر أيضاً عبر البحرين الأحمر والمتوسط.
لذلك تحركت بريطانيا سريعاً وساعدت الدولة العثمانية في طرد حملة بونابرت من مصر، والذي كان بدوره يأمل في السيطرة على البحر المتوسط من خلال إحتلال مصر والشام.
كانت بريطانيا تدعم أحد زعماء المماليك "محمد بك الألفي" وتبذل جهوداً كبيرة لدى الباب العالي لتعيينه والياً على مصر، مقابل امتيازات تحصل عليها منه.
وعلى الجانب الأخر كان محمد علي يستند على دعم فرنسا له وتدخلها لدى الباب العالي لمنع عزله.
خدمت الظروف محمد علي باشا بشكل كبير ليثبت دعائم حكمه في مصر ويقضي على "المماليك" أكبر مناوئيه على السلطة؛ فعثمان بك البرديسي مات في 1806، وتبعه محمد بك الألفي في 1807، ومع الفوضى التي دبت في صفوف المماليك بعد موت أكبر زعيمين، قررت بريطانيا التدخل من خلال إرسال حملة قوامها 5000 جندي بقيادة الجنرال "فريزر"، احتلت الإسكندرية ثم حاولت إحتلال رشيد ولكنها فشلت في ذلك، ولحقت بها هزيمة كبيرة ووقع العديد من الجنود الإنجليز في الأسر، وتم نقلهم إلى القاهرة، وفي خلال ذلك كان المماليك في معقلهم بالصعيد ولم يبادروا بمساعدة حلفائهم.
دارت مفاوضات بين محمد علي باشا وبريطانيا؛ تم الإتفاق خلالها على أن يطلق ما لديه من الأسرى مقابل جلاء القوات البريطانية عن الإسكندرية، إلا أن ما تحقق إعتُبِرَ بمثابة الانتصار الكبير لمحمد علي، وزاد من هيبته في الداخل، وحصل به على التأييد من الباب العالي، بعد أن كان تثبيته في ولاية مصر أمر محل شك.
خلال السنوات التالية وحتى حدوث مذبحة القلعة تعامل محمد علي باشا مع المماليك بدهاء شديد، فكان يظهر لهم الود، ويجتذبهم من الصعيد ليقيموا بالقرب منه في القاهرة، ويمنحهم الأراضي والإقطاعات، واستطاع بذلك استمالة النسبة الأكبر منهم، فيما كان بعض الأمراء لا يثقون في نوايا محمد علي واستمرت إقامتهم بالصعيد ودارت بينهم وبين الباشا العديد من المواجهات.
وفي 1811 صدرت أوامر الباب العالي لمحمد علي باشا بمحاربة ما عُرف بالحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية، وبالنظر لعدد المماليك المقيمين بالقاهرة مع أتباعهم، خاف محمد علي من تواجده على مقربة من أشد خصومه محاطاً بقوات قليلة بعد أن ينصرف أغلب الجيش لمحاربة الوهابيين؛ ففكر في التخلص منهم قبل أن يستغلوا الظروف ويقتلوه.
قام محمد علي باشا بدعوة جميع زعماء وأمراء المماليك في كافة أرجاء مصر لحضور حفل بالقلعة لتوديع الجيش الذي سيخرج بقيادة ابنه "طوسون" لمحاربة الوهابيين، لبى غالبية المماليك تلك الدعوة، ليتحول الحفل المزعوم لمذبحة كبيرة.
تفاصيل مذبحة القلعة
في صباح السادس من صفر 1226هـ الموافق الأول من مارس 1811 توجه أمراء المماليك في أبهى صورة، وعلى ظهر أفضل الجياد الأصيلة، إلى القلعة لحضور الحفل، واستقبلهم محمد علي باشا بحفاوة كبيرة، وبعد انتهاء الحفل دعاهم الباشا للمشي في موكب الجيش، حتى يتمكن من تنفيذ خطته بتصفيتهم رمياً بالرصاص.
كان محمد علي باشا وبمشورة كبير معاونيه محمد لاظوغلي باشا قد حدد الطريق المؤدي إلى "باب العزب" لتنفيذ الخطة. وهو أكثر مخارج القلعة ضيقاً وانحداراً، ليتمكن بذلك من حشر المماليك فيه ووعدم ترك أي فرصة أمامهم للهرب.
تقدم الموكب عدد كبير من فرسان جيش محمد علي ومن خلفهم مجموعة من الجنود الأرناؤوط ثم أمراء المماليك يتقدمهم سليمان بك البواب، ومن خلفهم مجموعة أخرى من المشاة والفرسان الأرناؤوط، وما أن خرجت مقدمة الجيش من الباب حتى قام الحراس بإغلاقه بإحكام في وجه المماليك، وكانت تلك إشارة لمجموعات من الأرناؤوط بتسلق التلال الصخرية على جانبي الطريق المؤدي للباب، وحين رأى المماليك ذلك توقفوا عن المسير وتلاقت جموعهم في هذا المنحدر الضيق.
قد يعجبك: إعدام محمد كُريم 6 سبتمبر 1798م
تم إطلاق الرصاص في الهواء من إحدى الثكنات داخل القلعة، إيذاناً ببدء المذبحة، وانهال جنود محمد علي على المماليك رمياً بالرصاص من كل الإتجاهات، وكان المماليك لا يمتلكون إلا السيوف التي حملوها على سبيل الزينة خلال الحفل، فلم يستطيعوا مقاومة ذلك الهجوم الغادر، وترجل البعض منهم عن فرسه و حاول الهرب عبر تسلق الصخور المحيطة بالطريق، إلا أن الرصاص كان يتلقفهم من كل جانب.
يروي المؤرخ الشهير المعاصر للأحداث "عبد الرحمن الجبرتي" أن القتل استمر حتى دخول الليل، وتكدست جثث قتلى المماليك فوق بعضها في ذلك الطريق الضيق من القلعة المؤدي إلى "باب العزب"، وبذلك تم تصفية كل من حضر الحفل من المماليك وكان عددهم قرابة الخمسمائة، ولم ينج منهم إلا واحد فقط يُسمى "أمين بك" كان في مؤخرة الصفوف، ولما رأى الرصاص ينهال على زملائه صعد بجواده إلى سور القلعة الذي يعلو الأرض بحوالي 20 متر، ثم ألقى بنفسه وهو على ظهر الجواد إلى خارج القلعة، ونزل من على الجواد قبل أن يرتطم بالأرض ليكون الناجي الوحيد من مذبحة القلعة، وهرب بعد ذلك في إتجاه الشام.
بعد تنفيذ المذبحة قام الجنود الأرناؤؤط بعمليات نهب واسعة في جميع أنحاء القاهرة، بحجة تعقب بقايا المماليك وأتباعهم، وعلى مدار يومين حدثت العديد من الفظائع من قتل، وسرقة، واغتصاب للنساء. ولم تتوقف أعمال النهب إلا بنزول محمد علي باشا بنفسه بصحبة ابنه طوسون لوضع حد لتلك العمليات، وأمر بقطع رأس كل من يستمر في النهب.
قد يعجبك: إعدام محمد كُريم 6 سبتمبر 1798م
تم إطلاق الرصاص في الهواء من إحدى الثكنات داخل القلعة، إيذاناً ببدء المذبحة، وانهال جنود محمد علي على المماليك رمياً بالرصاص من كل الإتجاهات، وكان المماليك لا يمتلكون إلا السيوف التي حملوها على سبيل الزينة خلال الحفل، فلم يستطيعوا مقاومة ذلك الهجوم الغادر، وترجل البعض منهم عن فرسه و حاول الهرب عبر تسلق الصخور المحيطة بالطريق، إلا أن الرصاص كان يتلقفهم من كل جانب.
يروي المؤرخ الشهير المعاصر للأحداث "عبد الرحمن الجبرتي" أن القتل استمر حتى دخول الليل، وتكدست جثث قتلى المماليك فوق بعضها في ذلك الطريق الضيق من القلعة المؤدي إلى "باب العزب"، وبذلك تم تصفية كل من حضر الحفل من المماليك وكان عددهم قرابة الخمسمائة، ولم ينج منهم إلا واحد فقط يُسمى "أمين بك" كان في مؤخرة الصفوف، ولما رأى الرصاص ينهال على زملائه صعد بجواده إلى سور القلعة الذي يعلو الأرض بحوالي 20 متر، ثم ألقى بنفسه وهو على ظهر الجواد إلى خارج القلعة، ونزل من على الجواد قبل أن يرتطم بالأرض ليكون الناجي الوحيد من مذبحة القلعة، وهرب بعد ذلك في إتجاه الشام.
بعد تنفيذ المذبحة قام الجنود الأرناؤؤط بعمليات نهب واسعة في جميع أنحاء القاهرة، بحجة تعقب بقايا المماليك وأتباعهم، وعلى مدار يومين حدثت العديد من الفظائع من قتل، وسرقة، واغتصاب للنساء. ولم تتوقف أعمال النهب إلا بنزول محمد علي باشا بنفسه بصحبة ابنه طوسون لوضع حد لتلك العمليات، وأمر بقطع رأس كل من يستمر في النهب.