النشأة
قبل ما يزيد عن 2300 عام، نجح الإسكندر المقدوني في دخول مصر وبسط سيطرته عليها بعد طرد الفرس منها، وبعد ذلك بعامٍ واحد عهِد الإسكندر إلى كبير مهندسيه "دينوكراتيس" ببناء مدينة على ساحل البحر المتوسط، لتكون بمثابة ملتقى لحضارات الشرق الأدنى القديم (وبالأخص مصر) بحضارة بلاد اليونان، وتكون نقطة الوصل بين الإغريق ووادي النيل.
وقع الاختيار على قرية مصرية صغيرة تقع على ساحل البحر المتوسط تُسمى "راكوتيس"، وعلى امتداد ساحل تلك القرية كانت هناك جزيرة صغيرة تُسمى "فاروس" وكانت المسافة بينهما لا تتعدى ميل واحد فقط، فكانت الفكرة بردم مياه البحر بينهما لإنشاء المدينة التي سوف تحمل اسم الإسكندر وتكون عاصمة لمصر لعدة قرون تالية...مدينة الإسكندرية.
شرع دينوكراتيس في تخطيط المدينة على نمط المدن الإغريقية القديمة بحيث تتقاطع شوارعها الأفقية والرأسية، ومن أقدم شوارع المدينة التي تعود لزمن نشأتها الأولى "شارع فؤاد" وشارع "النبي دانيال".
ترك الإسكندر المدينة واتجه صوب بلاد فارس والهند لاستكمال فتوحاته، حتى مات بشكل مفاجئ في عام 323 ق.م. ، وتذهب كثير من الآراء إلى دفن جثمانه في الإسكندرية في مكان غير معلوم حتى الأن.
الإسكندر المقدوني مؤسس مدينة الإسكندرية |
بعد موت الإسكندر تم تقسيم امبراطوريته الشاسعة بين قواده، فكانت مصر من نصيب القائد "بطليموس" الذي أسس دولة البطالمة التي حكمت مصر قرابة ثلاثمائة عام، ولم تكن الإسكندرية في عهد البطالمة مجرد عاصمة لمصر؛ بل كانت مركزاً حضارياً وثقافياً عالمياً، وكانت الوجهة المفضلة للعلماء والأدباء والشعراء من كافة أرجاء العالم القديم، ويرجع الفضل في ذلك لوجود الجامعة التي أسسها البطالمة في المدينة، وعلى مقربة منها مكتبة الإسكندرية القديمة بما تحويه من مخطوطات وكنوز علمية.
استمرت الإسكندرية طيلة عهد البطالمة محتفظة بمكانتها كأهم مدن العالم القديم حتى سقطت مصر في أيدي الرومان عام 30 ق.م. وأصبحت ولاية رومانية، فكان من الطبيعي وقتها أن تتراجع الإسكندرية خلف روما عاصمة الإمبراطورية.
استمرت الإسكندرية عاصمة لمصر قرابة الألف عام طوال العصور البطلمية والرومانية والبيزنطية، حتى تاريخ الفتح الإسلامي لمصر في 641م على يد عمرو بن العاص، حيث اتجه المسلمون لعاصمة جديدة بناها عمرو تُسمى "الفسطاط"، لكن الإسكندرية لم تفقد أبداً أهميتها كأكبر الموانئ المصرية، وأهم الثغور التجارية والعسكرية لمصر على ساحل البحر المتوسط.
الجغرافيا والتقسيم الإداري
تبلغ مساحة الإسكندرية حوالي 2700كم2 ، ونظراً لامتدادها على ساحل البحر المتوسط؛ فإن المدينة تتمتع بمناخ متوسطي أكثر منه شرق أوسطي، يتميز بصيف حار وجاف، وشتاء معتدل ممطر، ودائماً ما تتعرض الإسكندرية لعواصف رعدية وأمطار غزيرة خلال فصل الشتاء.
كوبري ستانلي على كورنيش الإسكندرية |
تنقسم المدينة إلى تسعة أحياء إداريةهي: أول المنتزه، ثان المنتزه، شرق، وسط، غرب، الجمرك، العجمي، أول العامرية، ثان العامرية.
يبلغ عدد سكان مدينة الإسكندرية بحسب اخر تعداد سكاني في عام 2017 حوالي 5,163,441 نسمة.
الأنشطة الإقتصادية
الزراعة
توجد الزراعة في مدينة الإسكندرية على نطاق محدود، وتتركز في بعض المناطق في الساحل الشمالي ومنطقة الكينج مريوط، وتعتمد في الغالب على مياه الأمطار أو المياه الجوفية.
الصناعة
تعتبر الإسكندرية من أكبر المدن الصناعية المصرية، ويتركز النشاط السصناعي في مناطق متعددة في المدينة مثل محرم بك، أبو قير، الدخيلة، برج العرب، وغيرها.
من أهم الصناعات المنتشرة في المدينة؛ صناعة الحديد والصلب، والكيماويات، والغزل والنسيج، وتكرير البترول، والأسمنت.
الثروة السمكية والحيوانية
تسهم الإسكندرية بنصيب كبير من إنتاج مصر من الثروة السمكية، كما تنتشر بها العديد من مشاريع تربية الدواجن والأبقار والأغنام.
التعليم
تضم الإسكندرية عدداً ضخماَ من المدارس لمراحل التعليم المختلفة الإبتدائية والإعدادية والثانوية، وتوجد بالمدينة العديد من المدارس العريقة التي يقارب عمرها قرناً من الزمان، مثل كلية النصر للبنات، كلية فيكتوريا، النصر للبنين، سان مارك، ليسيه الحرية وغيرها.
كما تنتشر بالمدينة مدارس ومعاهد التعليم الفني والحرفي، مثل معهد الدون بوسكو، ومدرسة محمد علي الزخرفية.
توجد بالإسكندرية إحدى أعرق الجامعات في مصر والشرق الأوسط وهي جامعة الإسكندرية، التي يرجع تاريخ تأسيسها لعام 1938م، وتضم الجامعة العديد من الكليات والمعاهد التي تغطي كثير من التخصصات مثل كليات الحقوق والآداب والهندسة والصيدلة والطب وغيرها، كما توجد بالمدينة بعض الجامعات الخاصة أشهرها جامعة فاروس.
الرياضة
كما هو الحال في مصر فإن كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية في مدينة الإسكندرية، ويعتبر نادي الإتحاد السكندري الذي تأسس في 1914م هو صاحب الشعبية الأكبر داخل المدينة، ويحظى بدعم جماهيري كبير جداً خلال مبارياته في البطولات المختلفة، كما تضم المدينة أندية أخرى تنافس في بطولة الدوري الممتاز وهي سموحة وحرس الحدود، بجانب العديد من الأندية الأخرى التي تنافس في الدرجات الأدنى مثل الأولمبي -وهو النادي السكندري الوحيد المتوج ببطولة الدوري المصري- والكروم والترام وغيرها من أندية كرة القدم.
ويعد استاد الإسكندرية أقدم ملاعب كرة القدم في قارة إفريقيا، ويمتاز بتصميم معماري رائع.
أما بالنسبة للألعاب الفردية، فإن الإسكندرية أنجبت العديد من الأبطال في رياضات مختلفة كالسباحة ورفع الأثقال والمصارعة، حتى أن الرياضيين من أبناء الإسكندرية هم أصحاب نصيب الأسد من رصيد ميداليات مصر الأوليمبية على مر التاريخ، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
- ابراهيم مصطفى: ذهبية المصارعة في أمستردام 1928 (أول عربي يحصل على ذهبية أوليمبية)
- أنور مصباح: ذهبية رفع الأثقال في برلين 1936
- محمود فياض: ذهبية رفع الأثقال في لندن 1948
- ابراهيم شمس: ذهبية رفع الأثقال في لندن 1948
- محمد رشوان: فضية الجودو في لوس أنجلوس 1984
- كرم جابر: ذهبية المصارعة في أثينا 2004 والفضية في لندن 2012
- هشام مصباح: برونزية الجودو في بكين 2008
- علاء الدين أبو القاسم: فضية الشيش (سلاح المبارزة) في لندن 2012
علاء الدين أبو القاسم صاحب فضية أوليمبياد سلاح المبارزة في أوليمبياد لندن 2012 |
المعالم والمزارات السياحية
تمتلك الإسكندرية إرثاً تاريخياً وحضارياً ضخماً، يظهر من خلال العديد من الآثار ومواقع التراث التي ترجع جذورها لعصور وحضارات مختلفة، نذكر منها:
عامود السواري
يُعد عامود السواري أحد أشهر الأعمدة التذكارية في العالم، ويرجع تاريخ بناء العامود للعصر الروماني وتحديداً فترة حكم الامبراطور "دقليديانوس" ، يبلغ ارتفاع العامود 27 متر، ويقع ضمن منطقة سرابيوم الإسكندرية فوق أحد التلال الموجودة بين مقابر المسلمين الحالية (المعروفة بمقابر العامود) وهضبة كوم الشقافة.
عامود السواري |
قلعة قايتباي
تُعد قلعة قايتباي من أشهر القلاع الموجودة على ساحل البحر المتوسط، تم تشييد القلعة في نفس مكان منارة الإسكندرية القديمة والتي تهدمت تماماً بفعل زلزال مدمر في القرن الثالث عشر الميلادي.
خلال زيارته لمدينة الإسكندرية في عام 1477م أمر السلطان المملوكي الأشرف قايتباي ببناء القلعة لحماية المدينة من قرصنة الحملات البحرية الصليبية التي كانت تضرب المدينة وتقوم بنهبها وترويع مواطنيها خلال العقود السابقة لعهد السلطان قايتباي، مثل الحملة الصليبية القبرصية على الإسكندرية في 1365م، ولسبب أخر أكثر أهمية وهو زيادة حدة التوتر بين سلاطين المماليك والدولة العثمانية، مما كان ينذر بنشوب حرب وشيكة بين الطرفين.
القلعة مربعة الشكل وتبلغ أبعادها 150 * 130 متر ، وارتفاعها 17 متر، ويحيط بها سور سميك يحتوي على عدد من الأبراج الدفاعية في كافة جوانبه، كما توجد داخل القلعة ممرات ليتحرك الجنود من خلالها، ويوجد أيضاً مخازن للسلاح.
تقع القلعة في الجانب الشرقي من جزيرة فاروس، وتعد حالياً من أهم المعالم التاريخية في الإسكندرية.
المسرح الروماني
يُعد المسرح الروماني بالإسكندرية من أهم المزارات السياحية بالمدينة، وأحد أشهر الآثار التي يرجع تاريخها للعصر الروماني. يقع المسرح بمنطقة كوم الدكة في قلب المدينة.
تم اكتشاف المسرح الروماني عن طريق الصدفة، فبينما كانت بعثة الآثار البولندية تقوم بالتنقيب بحثاً عن مقبرة الإسكندر، بدأت أدواتهم تصطدم بكتل رخامية كبيرة لتبدأ رحلة امتدت لسنوات طويلة لإزالة التراب من على مدرجات هذا الكشف الأثري الهام.
على نمط المسارح الرومانية فإن هذا المسرح يأخذ شكل حرف U ويتكون من 13 مدرج تم ترقيمها لتنظيم عملية الجلوس، وتتسع تلك المدرجات لحوالي 600 شخص.
متحف الإسكندرية القومي
يقع هذا المتحف في شارع فؤاد، وكان في الأصل قصراً لشخص يسمى أسعد باسيلى باشا، ثم مقراً للقنصلية الأمريكية بالإسكندرية، حتى قام المجلس الأعلى للأثار بشرائه في عام 1996، وبدأ العمل في ترميمه وتهيئته كمتحف حتى تم افتتاحه في 2003.
يحتوي متحف الإسكندرية القومي على حوالي 1800 قطعة أثرية ترجع لعصور تاريخية مختلفة، بداية من العصر الفرعوني حتى العصر الحديث، ومروراً بالعصور اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية.
كما ينفرد هذا المتحف بوجود قاعة خاصة للأثار الغارقة التي تم انتشالها من قاع البحر بالإسكندرية.
المتحف اليوناني الروماني
تم افتتاح المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية في عام 1895م ، ويضم المتحف مجموعة كبيرة من الآثار المتنوعة التي يرجع تاريخها للعصور البطلمية والرومانية والبيزنطية.
تتنوع الآثار الموجودة بالمتحف وتشمل تماثيل وتحف وأواني وعملات وحلي ذهبية، وغير ذلك من الآثار والأيقونات والأعمال الفنية المميزة.
المتحف حالياً مغلق نظراً لقيام وزارة الآثار المصرية ببعض أعمال الإصلاح والترميم فيه، ومن المتوقع أن تنتهي أعمال الترميم والتطوير بحلول يونيو 2020 بحسب تقديرات وزارة الآثار.
قصر المنتزه
يُعد قصر المنتزه من أجمل القصور الملكية لأسرة محمد علي باشا التي حكمت مصر على مدار 150 سنة. تم بناء القصر بأوامر من الخديوي عباس حلمي الثاني في عام 1892م، وتحيط به مجموعة من الحدائق الرائعة تُعرف بأسم "حدائق المنتزه" وتبلغ مساحتها 370 فدان، وتطل على عدد من الشواطئ الجميلة.
يوجد قصران آخران يتبعان قصر المنتزه الرئيسي؛ قصر الحرملك وكانت نساء الأسرة الملكية يقمن فيه. أما قصر السلاملك فكان بمثابة المقر الصيفي للملك، وكان مخصصاً للاجتماعات واستقبال الضيوف.
مكتبة الإسكندرية
مكتبة الإسكندرية الجديدة هي محاولة لمحاكاة وإحياء مكتبة الإسكندرية القديمة التي تأسست في عهد البطالمة، وكانت مركزاً ثقافياً وحضارياً عالمياً نظراً لأنها كانت تضم أهم المصادر والمخطوطات وأمهات الكتب في شتى فروع العلم.
قامت مصر بإعادة بناء المكتبة (في نفس مكان المكتبة القديمة على الأغلب) بالتعاون مع منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، وقام الرئيس المصري حسني مبارك بافتتاحها في 2002.
تضم المكتبة أعداداً ضخمة من الكتب بجميع اللغات وفي شتى المجالات، كما تضم أرشيف على الإنترنت يحتوي على مليارات الصفحات، كما توجد مكتبات متخصصة بداخل المكتبة، منها المكتبة السمعية والبصرية، ومكتبة المكفوفين، ومكتبة الطفل.
يوجد بداخل مكتبة الإسكندرية متحف للآثار يحتوي على آثار فرعونية وبطلمية ورومانية، ومتحف أخر للمخطوطات بداخله مجموعة كبيرة من المخطوطات النادرة.